الحمد لله العلي القدير، والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد حلت بهذه الأمة الخيرة في هذا الزمان، مصيبة عظمى وداهية كبرى، حيث اجترأ سفهاء الناس وأراذلهم من الكفار، على سب المصطفى المختار عليه الصلاة والسلام ولمزه والتنقص من أخلاقه ودينه جهارا، وتكرر ذلك منهم، تارة بما يكتبونه ويرسمونه في الصحف، وتارة بما يعرضونه من أفلام قبيحة، لا تقل قبحا وسفها وخسة عن وجوهم الكالحة، سودها الله في الدنيا والآخرة.
وقد تابعنا بأسى شديد، وحزن بالغ وغضب مفرط، خبر ما فعله أولئك الفجرة منذ أيام، من التطاول على خير الأنام، وليس ذلك بغريب على من حاد الله ورسوله، فإن هذا ديدنهم منذ بعثته عليه السلام.
بل هو ديدنهم مع كل الرسل، كما سيأتي.
وقد توعدهم الله بأليم العقاب وشدة العذاب، واللعن والغضب والمقت والسخط في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا}.
وقال سبحانه: {إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين}.
وقال: {إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين * كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز}.
والآيات في هذا المعنى أكثر من أن تحصر.
{سنة الله في الذين خلوا}
وهذا ديدن أهل الكفر والشقاق منذ أن بعث أول رسول إلى الأرض، نوح عليه السلام، فقد قص الله ما صنعه قومه معه، وكيف سخروا منه ومن أتباعه من المؤمنين.
قال تعالى: {ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون * فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم}
وتتابعت آيات القرآن على ذكر حال الكافرين المعاندين للرسل، وكيف كانوا يكذبونهم ويسخرون منهم ويقذفونهم بفاحش القول وساقط الكلم، والرسل تصبر على أذاهم وتدعوهم إلى الإيمان، حتى أتاهم نصر الله، وهي سنة الله في الذين خلوا من قبل.
وقد قص علينا القرآن أعظم من هذا الإثم، وهو سب الكفار لله، ونسبة النقص إليه في ذاته وصفاته وأفعاله تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
وأعظم مقالات أهل الكفر كانت من قبل اليهود والنصارى، عليهم لعائن الله تترى.
ولقد أوذي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم من قبل المشركين وأهل الكتاب، فصبر على أذاهم زمنًا، ثم جاهدهم وقتل منهم وسبى وغنم، تحقيقًا لوعد الله له بأن ينصره على أهل الكفر كافة.
{وكان حقًّا علينا نصر المؤمنين}
وكما وعد الله رسله بالنصر والظفر على عدوهم، فإنه وعد أتباع رسله كذلك، لكنه اشترط عليهم شروطا، منها: ثباتهم واستقامتهم على الإيمان والطاعة، واتباع الرسول ونصرته ونصرة دينه، والصبر على الأذى، حتى يحكم الله بأمره.
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم}
وقال: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا}.
وقد تكفل الله بنصرة أوليائه في كل زمان، حتى مع ضعف العدد والعدة، وحتى مع خذلان المخذلين، ولهذا فإنه سبحانه أنجى المستضعفين من الرسل والمؤمنين حين ضعفوا عن قتال أعدائهم، كما قص الله علينا من أنباء الرسل.
وقال لهذه الأمة مخاطبا خيارها: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم}.
وقال أيضا: {يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله...}.
وبين سبحانه غناه عن نصرة أهل الأرض لدينه ورسله، فقال: {ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض}.
وقال سبحانه: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين * ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين}.
فبين سبحانه أن كثرة العدد والعدة ليست معيارًا للظفر والنصر، فإنهم كانوا اثني عشر ألفًا يوم حنين فقالوا لن نهزم اليوم من قلة، ثم فروا وانكشفوا، وثبت رسول الله وفئة قليلة معه- أقل من مائة- فأنزل الله جندًا من السماء، وهزم الأعداء، وغنموا غنائم وافرة.
وأذية الكفار لله ولرسله ولعباده المؤمنين، سنة خالية باقية، لا تحويل لها ولا تبديل.
ونصره للمؤمنين وإعلاء شأنهم، وعد عليه أكيد، لا شك فيه ولا محيد.
ولقد تأخر النصر عن كثير من أولي العزم من الرسل، فلبث نوح ألف سنة إلا خمسين عاما، ثم نجاه الله ومن معه بإغراق الكافرين.
وألقي إبراهيم الخليل في النار العظيمة فنجاه الله منها.
وأوذي موسى وأتباعه حقبة من الزمان، ثم نجاهم الله بإغراق فرعون وجنوده في آية باهرة.
وأما عيسى فقد رفعه الله إليه بعد أن ألقى شبهه على غيره.
{إنا كفيناك المستهزئين}
وبعد، فهذه مقدمة بين يدي كلامي هنا عن وجوب نصرة الله ورسوله ودينه، وعزاءً لأمة الإسلام التي أوذيت في دينها بشتم رسولها من قبل أعداء الملة والدين، من سفهاء اليهود والنصارى، عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم:
إن هذا الذي اقترفوه من الإثم والإفك ليس بدعًا من أفعالهم وأخلاقهم، فقد آذوا الله سبحانه من قبل، وكذبوه وشتموه، ووصفوه بما لا ينبغي وبما لا يليق.
فنسبت اليهود إليه الفقر والبخل، ونسبت النصارى إليه الصاحبة والولد.
وسخرت اليهود بكلام الله وبأمره، فقالوا حنطة بدلا من حطة، ودخلوا الباب على أستاهم بدلا من أن يدخلوا ساجدين.
وحرفوا كتابه وزادوا فيه ونقصوا منه واشتروا بآيات الله ثمنا قليلا.
ثم عمدوا إلى رسل الله فآذوهم وكذبوا فريقا وقتلوا آخرين.
وآذوا موسى كليم الله، فوصفوه بالنقص، وعابوا حتى جسده الشريف فقالوا: آدر، أو أبرص.
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى من قبل فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها}.
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغته إساءة بعض الجهال: «رحمة الله على موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر». متفق عليه.
ولم يقف شر اليهود عند حد، بل كادوا لمريم ورموها بالفاحشة، وراموا قتل عيسى عليه السلام فأنجاه الله.
ثم اخترعوا عبادة الصليب، وأقحموها في دين النصارى، وهذا من كيدهم ومكرهم الشديد.
ثم عادوا محمدًا صلى الله عليه وسلم وقاتلوه ونقضوا المواثيق معه، وحاولوا قتله غيلة مرارًا، فأرادوا أن يسقطوا عليه حجرا عند حائط فأعلمه الله بمكيدتهم، ووضعوا له السم في ذراع الشاة فأنطق الله في فمه اللحم، وسحروه فشفاه الله وعافاه.
ولم يزل ذلك دأبهم في كل زمان، ولا يزالون على ذلك حتى يقاتلونا تحت راية مسيح الضلالة، الدجال، فيقتله مسيح الهدى عيسى بن مريم عليه السلام.
وقد وجد في النصارى من القسيسين والرهبان من آمن بالمسيح واتبعه، وآمن بما في الإنجيل من إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء كان منهم ورقة بن نوفل الذي أقر بنبوة محمد وتمنى أن يبقيه الله حتى ينصره نصرا مؤزرا، فمات قبل ذلك.
أفعجزتم يا أمة محمد أن تكونوا- على الأقل- مثل ورقة بن نوفل؟!
أو تكونوا مثل النجاشي ملك الحبشة الذي نصر الدين وآوى المؤمنين وامتنع أن يسلمهم للكافرين؟
أعجزتم يا رؤساء الغرب أن تحذوا حذو قيصر الروم حين أقر بالنبوة وعظم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتمنى أن يأتيه فيغسل عن رجليه، فثبت الله ملكه وملك قومه قرونا من الزمان؟
وأما ولاة أمر المسلمين اليوم فإن حالهم يدعو إلى العجب، من خذلان الدين وموالاة الكافرين، بل إن نكايتهم في الدين والمؤمنين ربما تكون أعظم من نكاية الكافرين!
فكيف نبتغي النصرة للرسول صلى الله عليه وسلم ممن سمح لسفهاء الناس في بلاد الإسلام بإعلان الكفر والردة وسب الله تعالى ودينه ورسوله؟!
المستجير بعمرو عند كربته *** كالمستجير من الرمضاء بالنار
يا أمة محمد: لا يغرنكم ما صار عليه الكفار في هذا الزمان من عدة وقوة، فإن الله قد أهلك قبلهم من هم مثلهم أو أشد قوة.
{ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد * وثمود الذين جابوا الصخر بالواد * وفرعون ذي الأوتاد * الذين طغوا في البلاد * فأكثروا فيها الفساد * فصب عليهم ربك سوط عذاب * إن ربك لبالمرصاد}.
يا معشر المسلمين، إن ربكم قد اصطفاكم، كما اصطفى نبيكم ودينكم وكتابكم، فجعلكم شهداء على الأمم، وهداكم للتي هي أقوم، ورحم ضعفكم، فوضع عنكم الإصر والأغلال التي كانت على من سبقكم ومن ثم حسدكم أهل الكتاب، فأنتم أقل عملًا وأكثر أجرًا، وأنتم الآخرون السابقون.
ورحم ضعفكم فمنع عنكم عدوكم، ولولا فضل الله ورحمته بكم لاستأصلوا شأفتكم، واستباحوا بيضتكم.
وأما أنتم يا رؤساء الكفر، من اليهود والنصارى، فاعلموا أنكم مدحورون، ولن يجعل الله لكم على المؤمنين سبيلا.
فإن أبيتم إلا العداوة فلن تصلوا إلى شيء إلا ما قدره الله علينا. {لن يضروكم إلا أذى}.
{من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ}.
{وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظم إن الله عليم بذات الصدور}.
{كونوا قوامين بالقسط}
واعلموا يا أهل الكتاب أن ديننا يأمرنا بالعدل والقسط معكم، في حال قوتنا وفي حال ضعفنا.
فلم نغتر في حال القوة فنظلمكم أو نتجبر عليكم، بل كان أسلافنا أرحم بكم من ملوككم ومن أحباركم ورهبانكم الذين ساموكم الذل والهوان، وكانوا أشد عداوة وبأسًا وتنكيلًا من أعدى أعدائكم.
وفرعون من قبل قد سام أسلافكم سوء العذاب، يقتل أبناءكم ويستحيي نساءكم، فلم تنعموا بالأمن والأمان إلا في ظل الإسلام.
لما فتحت خيبر، عامل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود عليها، على أن لهم شطر الثمار، فأرسل ابن رواحة ليخرص عليهم النخل، فخيرهم إما أن يخرص هو، ويعطيهم الشطر، أو أن يخرصوا هم ويدفعوا الشطر، فقالوا: هذا الحق وبه تقوم السماء والأرض. رواه أبو داود.
ونحن في حال الضعف مأمورون بالصبر، كما أمر موسى والمؤمنون من أسلافكم بالصبر على أذى فرعون حتى أنجاهم الله وأهلك عدوهم.
ولسنا نقر أن نأخذ بالذنب من لم يشارك في الجرم والإثم، كما صنع بعض جهالنا من قتل وتخريب، فإن هذا ليس من العدل في شيء.
ونحن في حال ضعفنا لسنا ببدع ممن سبقنا من الرسل وأتباعهم، وأنتم في طغيانكم وجبروتكم اليوم لستم ببدع من أعداء الرسل، قوم نوح وعاد وثمود، وفرعون وهامان وأشياعهم.
ونحن ندعو عليكم بما دعا به نوح ربه: {أني مغلوب فانتصر}.
وندعو بما دعا به كل الرسل من قبل، فنصرهم الله على الجبابرة المستكبرين أمثال دولكم اليوم، وعلى رأسها: فرعون هذا الزمان: أمريكا نسأل الله أن يدمرها تدميرا.
{ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل}
وما إساءة سفهاء أهل الكتاب اليوم لنبينا ببدع مما فعله سفهاؤهم من قبل مع أنبيائهم.
فقد قتلوا الأنبياء، ومنهم زكريا ويحيى.
وأرادوا قتل ابن مريم، و قذفوا أمه الصديقة الطاهرة.
ورموا سليمان عليه السلام بالكفر والسحر.
وطعنوا في داود من قبل في أمرٍ قبيح لا يليق أن يصدر مثله من آحاد المؤمنين، فضلا عمن اصطفاه الله من المرسلين.
ولا يتسع المقام لأكثر من هذا.
واعلموا يا عقلاء أهل الكتاب أن كتابنا الذي تكذبون به وديننا الذي تكفرون به قد أمرنا أن نعظم كل الرسل والأنبياء، ومنهم: إبراهيم وإسحق وإسرائيل ويوسف وموسى وعيسى وزكريا ويحيى وداود وسليمان، فنحن أحق بهم منكم.
وقد أكثر كتابنا الكريم من ذكر قصصهم وقصص أتباعهم، فنحن نتعبد لله بتلاوتها في مساجدنا وبيوتنا في ليلنا ونهارنا.
وأما أنتم، فقد اتخذتم دينكم لعبًا ولهوًا وغناءً ورقصًا وشربًا للخمر!
فأي الفريقين أولى بالمرسلين؟
وأينا أقرب إلى الحق والهدى، وأولى بالنصر والتمكين؟
وأما اللعن والسب، فليس من القربات في ديننا، إلا من أذن الله بسبه ولعنه من أعدائه وأعداء رسله، فنلعنه أحيانا، ولا نتخذ ذلك ذكرًا ووردًا.
وإن من أصول ديننا وملتنا أنه: من سب نبيًّا واحدًا فقد كفر بالله ورسله جميعا، واستحق القتل، حتى لو كان من أشراف الناس وأعيانهم.
ومن أصول ديننا: أن من رمى مريم بالسوء، أو شك في عفافها أدنى شك، فإنه كافر مرتد، مستحق للقتل، ولو صلى وصام وزعم أنه مسلم.
ومن أصول ديننا- كذلك- موالاة المؤمنين في كل زمان، وذكر محاسنهم والكف عن ذكر مساوئهم، فلا يحل في ديننا أن نذكر أسلافكم الذين اتبعوا المرسلين إلا بخير.
فنحن أحق بالرسل وبأتباعهم منكم.
وأما أنتم، فمنكم من يتقرب إلى الله بسب موسى وعيسى وأمه، وسب داود وابنه سليمان، وزكريا ويحي وغيرهم.
وأما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فلم يخلق الله عبدًا أتقى ولا أصدق ولا أعف منه، ولا أرحم بالناس والخلق منه.
وهو مذكور عندكم في كتبكم بأحسن الأوصاف، فأتوا بالتوراة والإنجيل والزبور فاتلوها إن كنتم صادقين.
ومن أخلاقه الحميدة أنه علم أمته كيف يعظمون إخوانه من الأنبياء:
1- فذكر لنا أن مثله ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى بيتا فأتمه إلا موضع لبنة، قال: «فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين». رواه البخاري.
2- ولما قيل له: يا خير البرية! قال: «ذاك إبراهيم خليل الله». رواه مسلم.
3- ولما حصلت مشاجرة بين مسلم ويهودي في تفضيل محمد وموسى عليهما السلام، غضب وقال: «لا تخيروني من بين الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى...» الحديث. متفق عليه.
4- وقال: «لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى». متفق عليه.
5- ولما سئل من أكرم الناس أجاب: «الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم». رواه البخاري.
6- وقال: «نحن أحق بالشك من إبراهيم...» إلى أن قال: «ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي». متفق عليه.
والجمع بين هذه النصوص وبين كونه صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل، هو أنه أراد أن لا يتمادى الناس في التفضيل والتخيير فيجر هذا إلى هضم مقام الأنبياء، وهذه بعض أخلاقه صلى الله عليه وسلم التي علمها أمته فأثمرت فيهم أدبًا وأخلاقًا رفيعة.
7- وقال: «أنا أولى الناس بابن مريم في الدنيا والآخرة ليس بيني وبينه نبي والأنبياء إخوة» متفق عليه.
8- وحتى النساء، فقد ذكر أن خيرهن «مريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد». متفق عليه.
وفي حديث آخر قال: «حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون». رواه الترمذي.
فنصفهن من غير هذه الأمة: أم عيسى، ومربية موسى.
وقد حكى لنا صلى الله عليه وسلم من مناقب الأنبياء الشيء الكثير، سوى ما قصه القرآن، تعظيما لهم وإعلاء لشأنهم.
فأين هذا مما يفعله سفهاء أهل الكتاب اليوم من سباب وسخرية ولمز بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم؟
ولولا خوف الإطالة لسردت من مكارم أخلاقه وسيرته وشمائله ما تقر به أعين المؤمنين، وتسخن به أعين السفهاء المجرمين، وتقوم به الحجة على الجاهلين من أهل الكتاب.
{وأنتم الأعلون}
وأما عن كيفية نصرة الدين والحمية للصادق الأمين صلى الله عليه وسلم، فهذا باب واسع، وله سبل كثيرة، بعضها أصول ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والحال، كنصرته بالتزام سنته وهديه والدعوة إليها، وإقامة الحجة على المخالفين.
وأما عن جهاد أعداء الدين من الساخرين، فهذا له سبل عديدة، وهو مما يختلف بحسب الحال والضعف والقوة.
وأما الاستنصار بحكام المسلمين، فإني أكرر: بأنه لا فائدة ترجى منهم في أدنى نصرة، والواقع يشهد لهذا، وحسب الأمة أن يتوب ولاتها من الإصرار على المحاداة للدين والملة، وأن يعدوا العدة لإقامة شعيرة الجهاد التي أميتت منذ زمن بعيد.
أسأل الله تعالى أن يهدي ولاة أمر المسلمين وعامتهم إلى الحق والرشد وأن يردهم إليه ردا جميلا، وأن يقمع أهل البغي والفساد، وأن يعز دينه ويعلي رايته.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الكاتب: سمير المالكي.
المصدر: موقع رؤى فكرية.